فصل: موضوع البحث في علم الفقه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: علم أصول الفقه




.فاتحة طبعة سنة 1947م للمؤلف:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى رسل الله أجمعين ومن اعتصموا بحبلهم المتين، أما بعد:
فإن علم أصول الفقه لا يستغني عنه مجتهد في تبيينه النصوص وتفنينه فيما لا نص فيه، ولا قاض في فهمه مواد القانون حق فهمها، وتطبيقها التطبيق الذين يحقق العدل وما قصده الشارع بها، ولا فقيه في بحثه ودرسه وتحليله ومقارنته ومقابلته بين المذاهب والآراء.
وأحمد الله الذي أمدني بمعونته وهدايته، فأخرجت كتابا في هذا العلم ذلل صعبه وقرب متناوله، ووفقني إلى أن أصوغ مسائله في قواعد كلية، وأن أورد أمثلتها التطبيقية من النصوص الشعرية ومن مواد القوانين الوضعية، وأن أقارن بين كثير من بحوثه وما يقابلها من بحوث علم أصول القوانين.
وقد لقي كتابي والحمد لله من حسن القبول والتقدير مما شجعني على أن أعيد طبعه بعد أن أضفت إليه بحوثا جديدة، وزدته تهذيبا وتنقيحا وإيضاحا، وأسأل الله أن ينفع به، وأن يجعله خالصا لوجهه.
القاهرة في: رجب سنة 1366 هـ- يوليو سنة 1947م.

.فاتحة طبعة سنة 1942م:

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله الذين بعثه الله بشريعة محكمة حنيفية سمحة، أساسها اليسر بالناس ورفع الحرج عنهم، وغايتها تحقيق مصالحهم والعدل بينهم، وعلى آله وصحبه الذين خلفوه في حراسة شريعته، وهداية أمته، وكانوا تماما لنوره، ودعاة إلى هداه.
أما بعد.. فإن المجتهدين من أئمة المسلمين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من النصوص الشرعية وروحها ومعقولها كنوزاً تشريعية ثمينة، كفلت مصالح المسلمين على اختلاف أجناسهم وأقطارهم ونظمهم ومعاملاتهم، ولم تضق بحاجة من حاجاتهم، بل كان فيها تشريع لأقضيه لم تحدث، ووقائع فرضية، وهذه موسوعات الفقه آيات تنطق بما بذلوه من جهد وما كان حليفهم من توفيق.
ولم يكتفوا بما استمدوه من أحكام، وما سنوه من قوانين، بل عنوا بوضع قواعد للاستمداد، وقوانين للاستنباط، وكونوا من مجموعة هذه القواعد علم أصول الفقه، وكأنهم رحمهم الله بصنيعهم هذا أشاروا إلى خلفهم إلى أن لا يركنوا إلى اجتهادهم، وأن يجتهدوا كما اجتهدوا، ويبنوا كما بنوا، فإن الأقضية تحدث والمصالح تتغير، ومصادر الشريعة معين لا ينضب، ومنهل عذب لك وارد، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
وهذا كتابي في علم أصول الفقه قصدت به إحياء هذا العلم، وإلقاء الضوء على بحوثه، وراعيت في عبارته الإيجاز والإيضاح، وفي بحوثه وموضوعاته الاقتصار على ما تمس إليه الحاجة في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها وفهم الأحكام القانونية من موادها، وعنيت بأن تكون الأمثلة التطبيقية للقواعد الأصولية من نصوص الشريعة ومن مواد القوانين الوضعية، وأشرت في كثير من المواضيع إلى المقارنة بين أصول التقنين الشرعي وأصول التقنين الوضعي، وقسمته إلى مقدمة وأربعة أقسام:
فالمقدمة: في مقارنة عامة بين علم الفقه وعلم أصول الفقه يتبين منها التعريف بهما، وموضوعهما والغاية من دارستهما، ونشأة كل منهما وتطوره ليكون الشروع في علم أصول الفقه على بصيرة به.
والقسم الأول: في الأدلة التي تستمد منها الأحكام الشرعية، وفي هذا القسم تتجلى سعة المصادر التشريعية في الشريعة الإسلامية ومرونتها وخصوبتها وصلاحيتها للتقنين في كل عصر ولكل أمة.
والقسم الثاني: في مباحث الأحكام الشرعية الأربعة، وفي هذا القسم تظهر أنواع ما شرع في الإسلام من الأحكام، ويتجلى عدل الله ورحمته في رفع الحرج عن المكلفين وإرادة اليسر بهم.
والقسم الثالث: في القواعد الأصولية اللغوية التي تطبق في فهم الأحكام من نصوصها، وفي هذا القسم تظهر دقة اللغة العربية في دلالتها على المعاني ومهارة علماء التشريع الإسلامي في استثمارهم الأحكام من النصوص، وسبلهم القويمة في إزالة خفائها وفي تفسيرها وتأويلها.
والقسم الرابع: في القواعد الأصولية التشريعية التي تطبق في فهم الأحكام من نصوصها، وفي الاستنباط فيما لا نص فيه، وهذا هو لب العلم وروحه، وفيه يتجلى مقصد الشارع العام من تشريع الأحكام، وما أنعم الله به على عباده من رعاية مصالحهم.
وأسأل الله أن يتقبل كتابي هذا بقبول حسن، وأن يجعله خالصا لوجهه.
عبدالوهاب خلاف
القاهرة في:
10 رمضان سنة 1361 هـ.
21 سبتمبر سنة 1942م.

.مقدمة:

.الفرق بين الفقه وعلم أصول الفقه:

في موازنة عامة بين علم الفقه وعلم أصول الفقه من حيث التعريف بكل منهما، وبيان موضوعه، وغايته، ونشأته، وتطوره.

.التعريف:

من المتفق عليه بين علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم أن كل ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال سواء أكان من العبادات أم المعاملات أم الجرائم أم الأحوال الشخصية أم من أي نوع من أنواع العقود أو التصرفات له في الشريعة الإسلامية حكم، وهذه الأحكام بعضها بينتها نصوص وَرَدت في القرآن والسنة، وبعضها لم تبينها نصوص في القرآن أو السنة، ولكن أقامت الشريعة دلائل عليها ونصبت أمارات لها بحيث يستطيع المجتهد بواسطة تلك الدلائل والأمارات أن يصل إليها ويتبينها.
ومن مجموعة الأحكام الشرعية المتعلقة بما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال، المستفادة من النصوص فيما وردت فيه نصوص، والمستنبطة من الدلائل الشرعية الأخرى فيما لم ترد فيه نصوص تكون الفقه.

.علم الفقه في الاصطلاح الشرعي:

فعلم الفقه في الاصطلاح الشرعي: هو العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسب من أدلتها التفصيلية، أو هو مجموعة الأحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية.
وقد ثبت للعلماء بالاستقراء أن الأدلة التي تستفاد منها الأحكام الشرعية للعملية ترجع إلى أربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس وأن أساس هذه الأدلة والمصدر الأول منها هو القرآن، ثم السنَّة التي فسّرت مجمله، وخصصت عامه، وقيدت مطلقه، وكانت تبياناً له وتماماً.
ولهذا بحثوا في كل دليل من هذه الأدلة وفي البرهان على أنه حجة على الناس ومصدر تشريعي يلزمهم اتباع أحكامه، وفي شروط الاستدلال به وفي أنواعه الكلية، وفيما يدل على كل نوع منها من الأحكام الشرعية الكلية.
وبحثوا أيضاً في الأحكام الشرعية الكلية التي تستفاد من تلك الأدلة وفيما يتوصل به إلى فهمها من النصوص، وإلى استنباطها من غير النصوص من قواعد لغوية وتشريعية.
وبحثوا أيضاً فيمن يتوصل إلى استمداد الأحكام من أدلتها وهو المجتهد، فبينوا الاجتهاد وشروطه والتقليد وحكمه.
ومن مجموعة هذه القواعد والبحوث المتعلقة بالأدلة الشرعية من حيث دلالتها على الأحكام، وبالأحكام من حيث استفادتها من أدلتها ومما يتعلق بهذين من اللواحق والمتممات تكونت أصول الفقه.

.علم أصول الفقه في الاصطلاح الشرعي:

فعلم أصول الفقه في الاصطلاح الشرعي: هو العلم بالقواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى استفادة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، أوهي مجموعة القواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى استفادة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.

.الموضوع:

.موضوع البحث في علم الفقه:

هو فعل المكلف من حيث ما يثبت له من الأحكام الشرعية، فالفقيه يبحث في بيع المكلف وإجارته ورهنه وتوكيله وصلاته وصومه وحجّه وقتله وقذفه وسرقته وإقراره ووقفه لمعرفة الحكم الشرعي في كل فعل من هذه الأفعال.
وأما:

.موضوع البحث في علم أصول الفقه:

فهو الدليل الشرعي الكلي من حيث ما يثبت به من الأحكام الكلية، فالأصولي يبحث في القياس وحجيته، والعام وما يقيده، والأمر وما يدل عليه وهكذا..
وإيضاحاً لهذا أضرب المثل الآتي:
القرآن هو الدليل الشرعي الأول على الأحكام، ونصوصه التشريعية لم ترد على حال واحدة، بل منها ما ورد بصيغة الأمر، ومنها ما ورد بصيغة النهي، ومنها ما ورد بصيغة العموم أو بصيغة الإطلاق، فصيغة الأمر، وصيغة النهي، وصيغة العموم، وصيغة الإطلاق، أنواع كلية من أنواع الدليل الشرعي العام، وهو القرآن.
فالأصولي يبحث في كل نوع من هذه الأنواع ليتوصل إلى نوع الحكم الكلي الذي يدل عليه مستعيناً في بحثه باستقراء الأساليب العربية والاستعمالات الشرعية، فإذا وصل ببحثه إلى أن صيغة الأمر تدل على الإيجاب وصيغة النهي تدل على التحريم وصيغة العموم تدل على شمول جميع أفراد العام قطعاً، وصيغة الإطلاق تدل على ثبوت الحكم مطلقاً، وضع القواعد الآتية: الأمر للإيجاب، النهي للتحريم، العام ينتظم جميع أفراده قطعاً المطلق يدل على الفرد الشائع بغير قيد.
وهذه القواعد الكلية وغيرها مما يتوصل الأصولي ببحثه إلى وضعها يأخذها الفقيه قواعد مُسَلَّمَة ويطبقها على جزيئات الدليل الكلي ليتوصّل بها إلى الحكم الشرعي العملي التفصيلي، فيطبق قاعدة: الأمر للإيجاب على قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] ويحكم على الإيفاء بالعقود بأنه واجب. ويطبق قاعدة: النهي للتحريم، على قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} [الحجرات: 11]. ويحكم بأن سخرية قوم من قوم محرمة. ويطبق قاعدة: العام ينتظم جميع أفراده قطعاً: على قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] ويحكم بأن كل أمّ مُحرّمة. ويطبق قاعدة: المطلق يدل على أي فرد على قوله تعالى في كفارة الظهار: {فتحرير رقبة} [المجادلة: 3]، ويحكم بأنه يجزئ في التفكير تحرير أية رقبة مسلمة أو غير مسلمة.
ومن هذا يتبين الفرق بين الدليل الكلي والدليل الجزئي، وبين الحكم الكلي والحكم الجزئي.
فالدليل الكلي هو النوع العام من الأدلة الذي تندرج فيه عدة جزيئات مثل الأمر والنهي والعام والمطلق والإجماع الصريح والإجماع السكوتي، والقياس المنصوص على علته والقياس المستنبطة علته، فالأمر كلي يندرج تحته جميع الصيغ التي وردت بصيغة النهي وهكذا، فالأمر دليل كلي، والنص الذي ورد على صيغة الأمر دليل جزئي، والنهي دليل كلي، والنص الذي ورد على صيغة النهي دليل جزئي.
وأما الحكم الكلي فهو النوع العام من الأحكام الذي تندرج فيه عدة جزيئات مثل الإيجاب والتحريم والصحة والبطلان، فالإيجاب حكم كلي يندرج فيه إيجاب الوفاء بالعقود وإيجاب الشهود في الزواج وإيجاب أي واجب، والتحريم حكم كلي يندرج فيه تحريم الزنا والسرقة وتحريم أي محرم، وهكذا الصحة والبطلان، فالإيجاب حكم كلي، وإيجاب فعل معين حكم جزئي.
والأصولي لا يبحث في الأدلة الجزئية، ولا فيما تدل عليه الأحكام الجزئية، وإنما يبحث في الدليل الكلي وما يدل عليه من حكم كلي ليضع قواعد كلية لدلالة الأدلة كي يطبقها الفقيه على جزيئات الأدلة لاستثمار الحكم التفصيلي منها.
والفقيه لا يبحث في الأدلة الكلية ولا فيما تدل عليه من أحكام كلية وإنما يبحث في الدليل الجزئي وما يدل عليه من حكم جزئي.